الملف السياسي

الملف الفني

الملف الاجتماعي

من سيرهم دـ عبد الرحمن عميد الأقوام الرائد الإمام اهل العبكة من حفظة وتجويد ورسم القران الكريم


بقلم على الشيخ المقدم

كان الراحل المقيم دـ عبد الرحمن بابكر إبراهيم ـ عميد قومه ورائد أمته ـ أمضى عمره في خدمة القران  الكريم حفظاً وتجويداً على الروايات السبع ’شرحاً وتفسيراً في عدد من المساجد ودور العلم وأتبع ذلك بالعمل مع الناشرين لدين الله الحنيف وتمكين شرعه القويم ولقد كرمنا الله تعالى بأن نشأنا مع د.عبد الرحمن بابكر منذ الطفولة الأولى بقرية العبكة الواقعة على الضفة الغربية ـ لنهر الأتبراوي شرق الدامر بحوالي 65 كيلو متر ولد هذا العالم الجليل في عام 1954 بالقوز أحد أحياء «العبكة « من أسرة فاضلابية. والفاضلاب هم أغلب سكان

قرية العبكة هاجر اليها أجدادهم في الزمان الماضي وهم أولاد ((على )) الحسن والحسين ومصطفى والزبير ومن أحفادهم تكون مجتمع العبكة الكبير يجمع بينهم الود والتاخي ويقول العارفون بالأنساب إن فاضلاب العبكة هم بنو عمومة الفقرة والبدواب والنجيضاب والناصراب- وال محمد نور و ود ضيف الله صاحب الطبقات المشهور الذي هاجر أهله من الفاضلاب في زمن ماض الى حلفاية الملوكوأهل العبكة امتازوا بالحزم والعزم والأكل من عمل اليدين وعرق الجبين يحرثون الأرض ويزرعونها ويربون المواشي ويضرب بعضهم في العمل التجاري وهم حريصون كل الحرص على أداة شعائرهم الدنية من صلاة وصوم وزكاة وحج الخ ..... وللقران الكريم عند أجدادنا هؤلاء مكانة خاصة حفظوه وجودوه ـ وخطوا مصاحفه ’ ومن أشهر من إشتهر بخط المصاحف من أهل العبكة الشيخ محمد أحمد منصور (( ملك الدار)) له نسخة جميلة برواية الدوري سيودعها حفيده الدكتور مختص الأشعة ميرغني عثمان بابكر ملك الدار لدار الوثائق إذ هي من النسخ النادرةوهم أهل حكم أهل عمل جاد وكتمان سر حتى ينجزوا أعمالهم ـوهم يرددون دائما المقولة المشهورة ـ «قلوب الأحرار قبور الأسرار» ’ فهم إذا عزموا على أمر ولوا ظهرهم الى النهر الجاري أمامهم نهر عطبرة وأقبلوا على العبكة أمامهم يجدون حتى ينجزوا أعمالهم , شعارهم دائماً استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان في هذا الجو العام ولد ونشأ وترعرع المرحوم د/عبد الرحمن بابكر ’ ومن أهم صفاته الصبر على الصعاب حتى يجتازوها ـومن صفاته التوسط في في الأمور وعدم المبالغة فى المعاملة أخذ ذلك من تعاليمه الإسلامية فهذا الدين دين وسطية بدأ تعليمه في مدرسة العبكة الصغرى فمدرسة سيدون الأولية فمدرسة أروما الوسطى ثم مدرسة بورتسودان الثانوية وانخرط بعد ذلك في مهنة التعليم وواصل تعليمه حتى تخرج في جامعة أم درمان الاسلامية فنال الماجستر والدكتورة وازداد اهتمامه بالتعليم الديني فعمل في تدريب المعلمين ومحاضراً في جامعة وادى النيل وعكف على تدريس القران بعد حفظه بسبع روايات يحاضر العامة والخاصة في المساجد ’وفي دور العلم ’ وفي المنتديات وكان أخر عمل اسلامي قدمه لله تعالى ـ هو محاضرة ألقاها يوم 31/12/2012 بعنوان «الائمة والدعاة الواقع والمستقبل « جعل شعارها تحت قول الله تعالى((ومن أحسن قولاً ممن دعا الي الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين )) ’ وفي عرض المحاضرات يجد القارئ كل قيم الدين الحنيف وبعدها بأيام معدودات لبى نداء ربه إثر حادث حركة يوم 6/1/2013 ففقده مجتمع الدامر بحكامه وعلمائه ومواطنيه بالعبكة وعطبرة و وشيعوه الى مثواه الأخير بقلوب حزينة ومؤمنةوقد قال فيه القائلون أقوالاً عظيمة تدل على مكانته في ذلك المجتمع بين مدينتي الدامر وعطبرة ومسقط راسه العبكة يقول الأستاذ الصادق المهدي حاج أحمد رئيس مجلس الشورى بولاية نهر النيل كنا نكنيه ـ بأبي ذر الغفاري لحضوره من شرق نهر النيل يسبق في كل حين لمناقشة القضايا الإسلامية التي ترفع شأن الدعوة وتدعو لتحكيم الشريعة الإسلامية ويقول الأستاذ كمال الدين إبراهيم وزير التربية والتعليم بولاية نهر النيل « نحن نريد أن نكون رسل وفاء وتقدير لما قدمه د.عبد الرحمن في مجال نشر العلم والفضيلة والأخلاق الحميدة ومن عشيرته قال الأستاذ تاج السر مصطفى بابكر إن الرجل كان كريماً يظهر ساعة الشدة ’فعندما انتدبنا للعمل باليمن وجدناه هنالك فقدم لنا كل عون لازم ولما جاء وقت سداده قال لهم هذه هدية الأخ لإخوانه اما الأستاذ عبد الماجد إبراهيم خير الله شيخ قرية(( العبكة )) فيصفه بأنه ما كان يعرف التعصب لهذا الفرع او ذاك بل هو رجل قومي التوجه وكان محباً للإصلاح يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة اما الشعراء فقد قالوا في رثائه شعراً دارجاً وفصيحاً بلغ قمة في التعبير وكان ينطق عن مشاعر الشعراء ومشاعر الناس أجمعين نأخذ من قصيدة ابن العبكة ود اللبيب الشاعر مصطفى عوض الكريم قوله فاقداك المساجد في الأسحار تولع نورهوفقدوك المصلين شيخاً هميم ونفسو وقورهفقدوك الصحاب في الخربانة ما معمورة باكين بالدمع مذهولين والنفوس محسورةحياتك ياالعميد بالطيبات مذكورةشخصيتك قوية بي نهج الحكم مشهورة ترفق باليتيم وتجبر المكسورة ولي الدار النعيم تعمل وتقرأ السورة ونقرأ للشاعر النوراني الحاج الفاضلابي يرثيه ويعزي الأهل في العبكة بقصيدة نختار منها قوله في أهل العبكة فصبراً ال ابراهيم صبراً بني» العبكة « اصبروا فالعمر فاني وأنتم في المكاره ال صبر به جاوزتم محن الزمان ويختم ذلك مواصلاً الحديث الي ال العميد داعياً له بالرحمة يقول في الختام عزاءً في عميد القوم أهلي فما للدهر أهلى من أمان فليس لنا سوى الدعوات تعلو لرب عاطف برّ وحاني ليرحمه ويسكنه رحاباً من الفردوس عالية الجنان وصلى الله ربي ثم سلم على هادي الورى طه الكناني -في الختام نقول يا اخانا وحبيبنا العميد د/ عبد الرحمن بابكر إبراهيم رحمك الله وأثابك وألزم الأهل في فقدك الصبر وهيّا لهم من أبنائهم من يسير على نهجك نهج الابرار والاخيار وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين


مريم الصّنّاع

بدأت العودة لكتبي القديمة اعيد قراءة بعضها قراءة كاملة و اتخير بعض موضوعات من بعضها بعد ان هجرتها زماناً طويلاً لما كنت اعانيه من صعوبات في القراءة عبر النظارات التي تقلل متعة القراءة اضافة لملاحقة ما يستجد في عالم الكتب خاصة الكتب التي تهدى لي ولا اجد مفراً من قراءتها والتعليق عليها بالملف الثقافي  ومتابعة الصحف اليومية والرسائل التي تصلني عبر الشبكة العنكبوتية من بعض الاصدقاء في الداخل والخارج .

الآن وبعد ان اجري لي  الطبيب الانسان دكتور عبد الباقي محمد احمد علي بمركز السودان للعيون  عملية ناجحة  لم اعد امل القراءة واجد فيها متعة . وانا اعيد ترتيب كتبي القليلة مقارنة بالمكتبة الكبيرة التي اهدتها اسرة الراحل جعفر محمد عثمان للجامعة الاهلية  قررت ان اقرأ للجاحظ وهو كاتب واسع الخيال سلس العبارة قوي التعبير وتنازعت بين (البيان والتبين) و(البخلاء) ولم يدخل كتابه (الحيوان) في المنافسة . رغم قصر الزمن الذي اقرأ فيه في كتب التراث الا اني اكتشفت ان هذه الكتب لا تنتهي وكلما اعدت قراءة الكتاب وجدت فيه جديدا واضفت فيه لنفسك معلومات جديدة في اللغة والاجتماع والتأريخ والجغرافيا وغيرها من العلوم .

اعجبتني قصة مريم الصناع التي قال عنها الجاحظ انها من ذوات الاقتصاد ولم يصفها بالبخل بل بحسن التدبير والتخطيط  الاستراتيجي بلغة هذا الزمان  والقصة جميلة وتحمل نظرية اقتصادية  سنقوم بنشرها ان شاء الله بالملف الثقافي في اعدادنا القادمة  ليستفيد منها الناس .


فن القراءة

د. وليد شريف عبد القادر

نظرية جديدة للإبداع (2)

مشرط البدء « مغزى التعريف» :

في كتابه( دور العقل الإبداعي) لم يهتم بروف مصطفي عبده أستاذ (أساتذة الفلسفة) بجامعة النيلين بتعريف الإبداع كثيراً .. ومن وجهة نظرنا أن التعريف والرجوع إلي جذور الكلمات وأصلها يدعمان نهاية الأمر دقة البحث ومنطقية نتائجه ، ومثال لهذا يجب أن يقود بحثنا عن الإبداع وإشكالياته المختلفة إلي نتائج قريبة معني ومبني من الأصل اللغوى للكلمة ، وكلمة إبداع تعني إحداث الأشياء علي غير مثال سابق ، وفي اصطلاح الفلاسفة هو إخراج الشيء من العدم إلي الوجود بغير المادة ، وعند ا بن سينا : الإبداع هو أن يكون من الشيء وجود لغيره ، متعلق به فقط دون متوسط من مادة ، أو آلة ، أو زمان .. والإبداع أعلى رتبة من التكوين والأحداث ، فإن التكوين هو أن يكون من الشيء وجود مادي ، والأحداث أن يكون من الشيء وجود زماني ، وكل منهما يقابل الإبداع من وجه ، والإبداع أقدم منهما ، والتكوين والإحداث مترتبان علي الإبداع.

- والإنسان (كائن مبدع) كما يصفه الأستاذ/ محمد عثمان مكي العجيل في كتابه الثر خواطر فلسفية ، فقد أبدع الفلاسفة في تحديد الخاصية المميزة للإنسان عن باقي الحيوانات ، فهم يصفونه  مرة بأنه حيوان ضاحك ، وتارة اجتماعي ، وأخري منتج ، فهذا الكائن الضاحك ، الاجتماعي ، العامل ، المنتج ، هل كان بإمكانه تغيير حياته نحو الأحسن لو لم يكن مبدعاً ؟ ويكفي أن المقابل لكلمة إبداع هو كلمة (Creation) وترجمتها الحرفية هي الخلق ، أي صياغة شيء لم يكن موجوداً من قبل.

مشرط أول : «النظرية السيكولوجية» :

الجمعة الفائتة تحدثنا عن نظرية الإلهام  ضمن منظومة النظريات الإبداعية والتي تضم (الإلهام  ، والنظرية السيكولوجية ، والنظرية العقلية ، ونظرية العقل الإبداعي) .. وعلي مطي هذا الأسبوع والأسابيع المقبلة سنتحدث عن النظرية السيكولوجية للإبداع ، وهي النظرية التي دعت إلي أن خلق العمل الفني ينبع من صميم الخبرات الشخصية للفنان ، لذا هم يرجعون الإبداع الفني إلي اللاشعور الشخصي عند فرويد بالتسامي (Sublimation) وتقتفي خطي فرويد (السريالية) ، وآخرون يرجعون الإبداع الفني إلي اللاشعور الجمعي مثل (كارل يونج) بالإسقاط .

- يقول فرويد : الشخصية الإنسانية تتألف من ثلاث طبقات هي الأيقو Ego الأنا ، والأيد Id الهوا ، والسوبر إيقو Super ego الأنا الأعلى ، ولكن هذه الطبقات عزيزي القارئ افتراضية وليست مادية ، وقد أطلق فرويد علي هذا التقسيم الافتراضي .. غير النهائي بالألمانية اسم (سيكولوجية الأعماق) أي أعماق النفس البشرية ، أو العلم الذي يكشف عما في أعماقها .

- أولاً: (الأيد ... الهوا Id) : يُمثلها ما يُسمي باللاشعور ، وتتألف من مجموع الغرائز والعواطف التي تولد مع الإنسان ، والتي تحركها دوافع (الرغبة ، واللذة ، والعدوان) كالجنس والطعام ... الخ ، وهي تحتاج منه مهما كان التناقض بينها أو صعوبة تحقيقها بسبب العرف أو المجتمع إلي تلبية فورية .

- ثانياً: (الأيقو .. الأنا .. Ego) : يُمثلها ما يُسمي بالشعور ، وهي الجزء الذي يتأثر بالواقع ، ويحس بالمجتمع ، ويقدر أن ما تطلبه غرائز الأيد (الهوا) ليس دائماً ما يُمكن تحقيقه ، وأن علي الإنسان العاقل أن يتصرف في حدود (ما هو) ممكن فقط.

- ثالثاًَ: (السوبر أيقو .. الأنا الأعلى .. Super ego) : يُمثلها الضمير ، تتكون نتيجة لعلاقات الفرد مع أسرته أولاً ، ثم المدرسة ، والمجتمع .. الخ ، فهي ما يُطلق عليه أحياناً اسم (الأخلاق أو الضمير) ونواهيها داخلية ، تتكون وتنبع من داخل الإنسان ، بدلاً من موانع (الأيجو .. Ego) الخارجية .

- التباين بين هذه الطبقات الثلاث قد يكون كبيراً ، والصراع بينها قد يحتدم ، ولكننا لا نشعر بهذا الصراع في صحونا ، وإنما قد نشعر به خلال نومنا حين قد تفضحه أحلامنا .

مشرط أخير : «خلاصة ر أي »

... خلاصة رأي المدرسة الفرويدية في الإبداع الفني تتضح من خلال مقارنتها بين نفسية الفنان والمريض النفسي العصابي Nuorotic ، فالعبقرية والمرض النفسي مصدرهما واحد هو (طاقة اللاشعور الذي ينطوي علي صراع) فإذا نجحت الأنا الواعية Ego في حل الصراع ظهر السلوك الابتكاري ، أما إذا فشلت وحدث كبت ، فقد ينتهي الكبت إلي ظهور المرض في شكل عصاب Nuorotic فالفنان يلجأ إلي عالم الخيال الفني لكي يحقق فيه بواسطة آليات التسامي Sublimation ما عجز عن تحقيقه في عالم الواقع .. وهو يُعبّر عن رغباته المكبوتة في اللاشعور (الرغبة ، الشعور بالقوة أو الحب ... الخ) مثلاً فيما ينتجه من عمل فني ، في حين أن العصابي لا يستطيع أن يعبر عن هذه الدوافع في أي مستوي لذلك تظل مكبوتة في اللاشعور مما يؤدي في النهاية إلي مرض نفسي .. وللحديث بقية أشياء وأشياء ... إن كان في العمر إيعاز بنبض البقاء ...

وفي الختام وحتى الملتقى أعزائي القراء أسأل الله لكم اليقين الكامل بالجمال حتى يقيكم شر الابتذال في الأشياء ..


الجهنمية

ابو احمد

في الطريق كانت بين انجلينا وفتح الرحمن مسافة  ظلت هذه المسافة تتقلص قليلاً وكان فتح الرحمن يحاول القرب منها كأنه لا يقصد لكنها شعرت بمحاولته ولم تحاول ان تبتعد فما كان امر المارة علي قلتهم يعنيها في كثير او قليل وكان الحديث يدور حول المدينة وصعوبة الحركة فيها لكثرة هطول الامطار والتربة الطينية ولفت نظره اناقة ثيابها عندما مر بجوارها احدهم بدراجة بخارية جعلت الطين يتساقط علي الثوب ناصع البياض حاول ان يعتذر لها ويصف صاحب الدراجة البخارية بعدم الذوق وسوء التصرف واعطي نفسه الفرصة ليتأملها ومما اثار دهشته انها لم تهتم بما حدث لها بل قالت له لابد ان تتعود وانت تسير في هذا الوحل ان تمر بك عربة او دراجة تجعل الطين يتطاير علي ثيابك واحياناً وجهك ولا تجد من يعتذر لك عن ذلك .

كان حسن وخالد يسيران خلفهما وقصدا الا يسرعا ليلحقا بهما ودار بينهما حديث عن زميلهما الجديد الذي لا يدخن ولا يشرب ويكتفي بشرب الشاي ويقول خالد صاحبك مفتح وعالم لينا فيها مولانا ويقول حسن الغريب في الامر انه وصل امس كيف تعرف علي بت مفتش الزراعة بالسرعة دي اتصور دي لو سلمت عليها ما بترد السلام متكبرة خلاص وعاجباها نفسها لكن يكون عجبها الكاكي بس اموت واعرف العلاقة شنو وعرفها كيف ؟ قال خالد انت عارف يكون قابلها عند المنجد وتكون المخدات المعاها حقته يا زول دا زول خطر وداهية وتشوف براك لو ما عمل لينا مفاجآت , انت عارف الشهر الجاي طوالي نمسكه رئاسة الميس .

امام بيت العزابة وقفت انجلينا تودع فتح الرحمن وتؤكد عليه لزيارتهم ثم تصافحه بيدها الناعمة وتردد يلا باي .

التفت فتح الرحمن فوجد حسن وخالد بالقرب منه فوقف مكانه ولم يدخل المنزل بينما العربة التي تحمل ابراهيم الدود تقف لينزل منها ابراهيم بعد ان امسك الباب لرابحة لتعود للعربة وهي تشير بيدها مودعة . وتحي الواقفين.

تبادل الجميع التحايا والتعليقات علي يوم العمل والشغل الكتير وسرعان ما تفرقوا داخل المنزل كل لغرفته , وفتح الرحمن يفكر في كيف يبرر وجوده مع انجلينا وكيف تعارفا ولكنه هون علي نفسه وخلع ملابسه وبدأ يعيد ترتيب غرفته وتنظيفها وحاول ان يضع اشياءه البسيطة بنظام ونادي قدورة ليطلب مساعدته لتغيير وضع السرير احس من طريقة قدورة انه مندهش من طريقة فتح الرحمن خاصة عندما قال له انه يريد ان يغسل الغرفة والشبابيك والابواب وقدورة يقول له احسن تخلي الشغل ليوم الاحد لانه عطلة وامام اصراره احضر له الاشياء ليقوم بهذا العمل الذي لم يحدث منذ ان دخل هذا الميس قبل سنوات طويلة .

بقية الزملاء ذهبوا في نوم عميق كأنهم لم يناموا من وقت طويل .

اكمل فتح الرحمن نظافة الغرفة وذهب للحمام وكان ابراهيم الدود قد خرج من غرفته منتظراً دوره في الحمام فتحدث معه قدورة بهمس مسموع عن الضابط الذي يقوم بغسل الغرفة والابواب والشبابيك . ينضم اليهما حسن في الهمس ويقول صاحبك دنجوان كبير تصور كان ماشي مع انجلينا ووقفت معاه قدام الباب وودعته وكمان مدت ليه ايدها ونحن السلام ما بترده علينا !!

عندما خرج فتح الرحمن من الحمام كانت المجموعة كلها بمن فيها قدورة يقفون متجاورين وكأنهم يعقدون اجتماعاً حياهم فتح الرحمن ودخل الي غرفته واستلقى علي سريره وهو سعيد بما فعل وسعيد بالمخدات فقد قضى ليلة كانت الاولى بالنسبة له ان ينام بلا مخدة  قفزت الي ذهنه رابحة وهي تصعد الي العربة بعد ان نزل ابراهيم الدود الذي كان يجلس بينها وسائق العربة وقد كشفت عن ساقيها وانمحت صورتها عندما اطلت انجلينا وقبل ان يعيد النظر في خياله نادي عليه قدورة للغداء .


أشتات عربيات

خيالاٌ يُخيِّلُ لي نيلَها... ولو قدَرتْ لم يُخيِّل نوالا!

ما تَمْنَعِي يَقْظَى فقد تُؤْتِينَهُ ... في النَّوْمِ غيرَ مُصَرَّدٍ مَحْسُوبِ!

جعفر محمد عثمان

قال التلميذ الفتى لأستاذه الشيخ:-

التحيةُ والسلامُ على شيخنا، وشيخ أشياخِنا، المؤيَّدِ بالله، الذي عليه وحْدَه اعتمادُه، ومنه دُونَ غيره استمدادُه، وإليه لا إلى أحد من خَلْقه ضراعتُه، وافتقارُه وحاجتُه، وبه- لا بسواه- اعتدادُه واعتزازُه، وله- لا لِعيالِهِ الضِّعاف- سؤالُه فكلُّهم لدى الشدةِ والأَزْمِ مثالُه، وإِنْ أعجَبتْ ذا البَطرِ والأَشَرِ حالُه، فأصبح يطغَى أَنْ رآه استَغْنَى، وليس إلا على رَبِّه رُجْعاهُ ومآلُه.

والمحمودُ اللهُ مُولِى النِّعَم والآلاء، أَنْ رأينا الشيخَ المنصورَ بالله، على أَوْفَى ما نُحبُّ له من السَّلامة والمعافاة، وأَتَمِّ ما نرجو له مِن صَلاح الحال، وسكينةِ النَّفسِ والبال، بلا بَلْبال، والغِنَى بالله ، عن عبادِ الله، فليس ممَّنْ يَقِفُ بأبواب السَّلاطين، فيرزَأُهُمْ من مالِهم، أو يَستَعِزُّ بجاهِهم ولكنَّه – بنعمةٍ من الله وفَضْل- ممن كَرُمَتْ عليه نفسُه، فاستَعزَّ بها ولم يبتَذِلْها، وليس قولُ المتنبي رحمه الله: (والمستَعِزُّ بما لَدَيْهِ الأحمقُ)، ليس قولُه ذاك على إطلاقه، فإنَّه إنَّما عَنَى الغافلَ المنخدعَ بما لديهِ مِنْ قوةٍ وسَطوةٍ وثروة، فاغتَرَّ بكلِّ أولئك، أو ببعضِ أولئك، وكان مِمَّن ظنُّوا أنَّهم مانِعَتُهُم حصونُهم من الله، ولا يأمن كيدَ الله إلا القومُ الكافرون، ثم لا يَأمَنُ الدهرَ وغِيَرَهُ، ودَوَرانَه وحَدَثانه، إلا القومُ الغافلون. وحاشا لسيّدِنا أن يكونَ مِنْ بعضِ هؤلاء، أو مِن بعضِ أولئك، فإنهم أجمعينَ، خَليقون أَنْ تَنالَهم شَماتةُ الشامتين، ولو بعدَ حينٍ. وليس لِأَحرارِ النفوسِ أَمَضُّ ولا أرُمَضُ من أَنْ يَشمَتَ بهم عدو، بل ليس أقتل لهم كمَداً مِنْ أنْ يُسَرَّ بما يَسُوؤُهم شامت ولا سيَّما إِنْ جاهَرَ بذلك ولم يُخافِتْ. فعَصَمَ اللهُ شيخَ أشياخِنا من كل سوء، ونأَى به عن كلِّ ما يكره.

وبَعْدُ، فإني- وإن لم أكُنْ بلَغتُ ما أرَدتُ من الثَّناءِ على شيخِنا الجليل بكلِّ جميل، والدعاءِ له بكلَّ محبوبٍ ومطلوب- لَراغبٌ إليه، ومُتَمنٍّ عليه أن يَزيدَنا من صَنائعِ مَعْروفِه جرياً على معهودِه ومألوفِه، إنشاداً ورواية، ثم إِيضاحاً وإبانة، لبعض ما عندَه- وما أَغناه بما عِنْدَه- من حِسَانِ الأشعارِ وغرائبها، ومُعْجِباتِها وبدائعِها، متوخِّياً فيها ما تَوخَّاه في سابقات مجالسِه العامرات، مِنْ قِدَم العَهْد، وتَقادُمِ الزَّمان، إحياءً لما دَرَسَ أو كاد مِنْ ذِكْرِها، أو إِعلاماً بما جُهِلَ من أَمرِها، ودَلالةً على مكان العَربِ القدماءِ من الافتنانِ والابتكار، على فَقْر بيئتهم، وقلَّةِ قَرارِهم، ثم نَدْرَةِ حضارتِهم، وغَلَبةِ بَداوتِهم، وها نحن أُولاءِ لمقالِ الشَّيخ أَسماعٌ وأفئدة!

قال الشيخ أبو عاصم :

فإني متَّخِذٌ سبيلاً إلى ما رغبتَ فيه يا فتَى الفِتيان، تذكيرَكَ بالأبيات التي قال القُدَماءُ عن مُبْدعها عَمْرِو ابنِ قَمِيئة: إِنَّه أولُ مَنْ نطَق بوصْف الطَّيف، أي طيفِ المحبوبةِ وخيالِها الطارقِ، فيما يَراه النائمُ الحالم وعنَيتُ قولَه:

نَأَتْكَ «أُمَامَةُ « ُإلاَّ سُؤَالاَ

وإلا خيالاً يوافِي خَيالا

يُوافي مع الليل ميعادُها

وتأبى مع الصبح إلا زيالا

خيالٌ يُخيِّلُ لي نَيْلَها

ولو قدَرتْ لم يُخَيِّل نوالا!

ثم إِنك- ولا رَيْب- تَذكرُ ما أنهَيتُ إليك من قولِ العسكريِّ أبي هلالٍ عن هذه الأبيات: ( هذا مِنْ معاني القدماء غريب، وهو أبلغُ ما قيل في بُخْلِ المعشوق) يريد البيتَ الأخير:

خيالاٌ يُخيِّلُ لي نيلَها

ولو قدَرتْ لم يُخيِّل نوالا!

أي إِنَّها من بخْلها عليَّ بنوالها، لو استطاعت أنْ تحجُبَ عني خيالَها-وهو ليس إلا أضغاثَ أحلامٍ- لَفعلَتْ! أزيدُك اليومَ أَنَّ أبا هلالٍ عادَ فقال بعد أن أَورَدَ أبياتاً ثلاثةً لقيسِ بنِ الخطِيم : ( ومن هاتَين القطعتَيْن أخذَ المحْدَثون أكثرَ معانيهم في الخَيال). يَعنِي أبياتَ عمرِو بنِ قَميئة وأبياتَ قيسِ بن الخطيم. ولا بدَّ أَنَّك سائلي عما قال ابنُ الخَطيم، وهو جاهليٌّ كصاحبِه ابنِ قميئة، ولكنه أحدث منه عهداً، لقد قال يخاطِبُ المحبوبةَ البخيلة، بعد أَنْ تَمتَّع منها في مَنامِه بما جاءَ به طيفُها من اللقاء، وذلك على رَغْمِها، ودُونَ مِنَّةٍ منها عليه يتَحمَّلها، وفَضْلٍ لها يتقلَّده في عُنُقِه، فلا هي أرسلَتْ خيالَها إليه، ولا هي أَذِنتْ له أَنْ يُلِمَّ به، بل إِنَّها لو أَطاقتْ لَبَخِلتْ به عليه، بُخْلَها بزيارتها له وهو يَقظان. قال ابنُ الخطيم:

أنَّى سَرَيْتِ، وكنتِ غيرَ سَرُوبِ

وتُقرِّبُ الأحلامُ غيرَ قَرِيبِ

ما تَمْنَعِي يَقْظَى، فقد تُؤْتِينَهُ

في النّوْمِ، غيرَ مُصَرَّدٍ مَحْسُوبِ

كان المُنَى بِلِقَائِهَا، فَلَقِيتُها

وَلَهَوْتُ مِن لَهْوِ امرىءٍ مكْذوبِ

وفي رواية: كان المنة تلقاءها أي لُقْياها، وهي عندي أجود.

أَمَّا البيتُ الأول:

أنَّى سَرَيْتِ، وكنتِ غيرَ سَرُوبِ

وتُقرِّبُ الأحلامُ غيرَ قَرِيبِ

فإِنَّ مَعْنَى (أَنَّي سَرَيْتِ)كيف سَرَيْتِ، أي اتَّخذتِ طريقَكِ إليَّ ليلاً، ومعنَى (كنتِ غيرَ سَرُوبِ) أنك لم يكُنْ مِنْ مألوفِ عاداتِك، ولا معهودِ حالاتِك، المسيرُ بالنهار والشمس ماتعَة، فكيف ركبتِ الليلَ نحوي زائرة يُريد أَنْ يقول:ما عَهِدتُكِ إلا ضنينةً بالزِّيارة ، بخيلةً باللقاءِ والمواصَلة ، فكيف خالفْتِ ما عوَّدْتِنِيه؟

وسُؤالُه إنما هو سؤالُ متَعجِّبٍ مستغرِب، لا سؤالُ سائلٍ يطلبُ الجواب.وهو مِنْ بَعْدُ، سؤالُ الفَنَّانِ المتَصَرِّفِ في المعاني، المتلاعبِ بها كيف شاء، لأنَّه يعلم أنَّها لم تَزَرْه على الحقيقة، بل زارَهُ خيالُها أو طيفُها، بدليلِ قولِه آخِرَ البيت: وتُقرِّبُ الأحلامُ غيرَ قَرِيبِ.

ثم إِنَّ لمن شاء أَنْ يقول: إنَّ في سُؤالِ الشاعرِ غيرَ التَّعَجُّبِ- شَماتةً بالجميلة البخيلة، خَفِيَّةً أو ظاهرة، أو شيئاً شبيهاً بالشَّماتة، لأنها كانت تَمنعُه ما يُحِبُّ من لقائِها، والأُنْسِ بها، فها هي ذي تُنْهِبُه المُتَعَ والرغائب، وتُبِيحُ له ما كانت به ضَنينة، ولا مِنَّةَ لها عليه في ذلك ولا جَميل، وإنما المِنَّة ُوالشكرُ المستَحَقُّ للأحلام، فإنَّها هي التي سَنَّتْ ما تَسنَّى له في المَنام!

وليس يُعْوِزُ القائلَ بذلك دليل، فإنه حاضرٌ لدَيْهِ عَتِيد، فإنْ سأَلْتَ أين هو؟ قلتُ في ثاني الأبيات:

ما تَمْنَعِي يَقْظَى فقد تُؤْتِينَهُ

في النَّوْمِ غيرَ مُصَرَّدٍ مَحْسُوبِ!

والمصَرَّدُ من العطاء: هو القليل المقَتَّرُ فيه. والمحسوبُ: هو كذلك القليلُ الذي يُعطَى بحِساب، أو المحسوبُ: وهو ما كان في الحُسْبان، أو المُتَوقَّع. ومعنى البيت: أنَّ الذي تَبخلينَ به من الزيارة والمودَّةِ في حال اليقَظةِ، فإنك قد بَذَلْتِه لنا في المنام بَذْلَ السَّماح، مَكِيلاً بأوْفَى الكيل، حتى لقد أصَبْنا منه فوقَ ما توقَّعناه، لم يَدْخل لنا قَطُّ في حِساب! وكأنَّه يقول لها بلِسان الحال، لا المَقال: كيف تَرَيْنَ إذَنْ أَيَّتُها الجميلةُ البخيلة، في دَلالٍ وتَأَبٍّ لم يُغْنِيا عنك شيئاً، ولم يَنْقُصنا مما أَردْنَاهُ شيئاً. ثم يقول ابنُ الخطيم :

كان المُنَى تِلْقَاءها فَلَقِيتُها

لَهَوْتُ مِن لَهْوِ امرىء مكْذوبِ

والتِّلقاء: مصدرٌ كالِلقاء واللُّقيا، وهو مكسورُ الأول، مثلَ تِبيان، بمعنى البَيان. وسائرُ المصادر على هذا الوزن إلا هذين كلها مفتوحةُ الأول، مثل تَكْذاب بمعنى الكذب، وتَعداد بمعنى العَدِّ والحِساب.

ومعنى البيت: كنتُ أتمنَّى لقاءها فظفِرتُ بمُتمَنّاي، وكان مِنْ أَرَبِى أَنْ أستمتعَ باللَّهو واللعبِ معها، فنلتُ مأرَبي، ولكنَّه لَهْوُ مَنْ كُذِبَ عليه، وخُيِّل إليه، إذ لم يكن كلُّ ما كان إلا وهْمَ نائم حالم!

وليس يخفَى عليك أَنَّ مقتَضَى تَرجِّيه وتمنِّيه أَنْ يديم التفكيرَ فيما رَغِبَ فيه، وأن يُطيلَ شَغْل بَالِه به, وذلك مُعقِبُه أَن يَراه فيما يَرى النائم، ثم ليس مما يُنبَّه إلى مثلِه مِثْلُك، جمالُ قولِه: ولهوتُ من لهو امرئٍ مكذوبِ.

قال التلميذ الفتى لأستاذه الشيخ: شكر الله لسيدِنا إحسانَه وإنعامَه، فإِنْ أَفْضَلَ فأَذِنَ قلت: إنَّ في النَّفس لَشيئاً من قول ابنِ الخطيم في ثاني أبياتِه المعْجِبات:

ما تَمْنَعِي يَقْظَى فقد تُؤْتِينَهُ

في النّوْمِ، غيرَ مُصَرَّدٍ مَحْسُوبِ

فإنَّ المفهوم منه أَنَّها تَمنع وصالَها وهي يَقْظَى غيرُ نائمة وفي حينِ أنَّ مُرادَ الشاعرِ أَنَّها تَمْنَعُه ما تَمنعه وهو يَقْظان، ثم تُنِيلُه أو يُنِيلُه خيالُها مطلبَه في المنام، وليس ليقَظتِها هي مَدْخَلٌ في مَرمَى الكلام.

قال الشيخ أبو عاصم:

لله أنتَ يا فتَى الفِتيان، أمَّا إذ أورَدْتَ ما أَورَدْتَ، فاعلَمْ أَنَّ للسابقينَ الأقدمينَ مِنْ نَقَدةِ الكلامِ مثلَه. وقد اعتَذروا عن الشاعر بأنَّ مقصودَه هو: ما تَمنَعِي يَقظَى وأنا يقظانُ مثلَك، أي إِنَّ ما تمنَعِينَه إيايَ في حال اليقَظةِ من كلَيْنا، فقد تَسْمَحِينَ لي به في مَنامي.

هذا وإنَّ لِقائلٍ أَنْ يقول: إنَّ معنَى (ما تَمنعِي يَقْظَى) إن ما تَمنَعِينَه عيناً يَقْظَى، مِنْ رُؤْيتك، فقد تَسمَحين لَها به في مَنامها. أو إنَّ معناه: ما تمنَعِينَه نَفْساً يقظَى. والمراد من النَّفسِ نَفْسُه هو،أي ذاتهُ وشخصُه.

أَمَّا بَعْدُ يا فتى الفِتْيان فأنا خاتِمٌ هذا المجلس، فموردٌ لك بيتَيْنِ رائعيْنِ ليسا ممّا نحن فيه من أحلامِ الغزليين وأوهامِهم، على أنَّ الأحلامَ من حيثُ هي عنصرٌ لا غنَى عنه في معناهما الجديدِ الجميل: يقول أشجعُ السُّلَمِيّ، وهو من أهل العَصْر العباسيِّ الأوَّل، في مَدْح الخليفة بِعظَم الهَيْبة، وشدَّةِ الوَطْأةِ على أعدائِه، حتى إنّ قلوبَهم لَتمتلئُ منه رعباً، في حال تنَبُّهِهِم ويَقَظتِهم/  وكذلك في حالِ منامِهم على حَدِّ سواء. يقول الشاعرُ المفتَنّ:

وعلى عدوّك يا ابنَ عمّ محمَّدٍ

رَصَدانِ:ضوءُ الصُّبح والإظلامُ!

فإذا تَنبَّهَ رُعْتَـهُ، وإذا غَفَـا

سَلَّت عليه سيوفَك الأحلامُ

الشعر...نغم..!

كان (عُروةُ بنُ أُذَيْنَة) – وهو من عصر بني أميَّة – من مشاهير عَصْرِه علْماً وفقهاً، ولكنه كان- إلى ذلك- شاعراً رقيقَ النسيب، مشبوبَ العاطفة، طروبَ اللَّحنِ والنغم. وهذه من شعره شهيراتُ أبيات:

إنَّ التي زَعَمَتْ فُؤَادَكَ مَلَّها

خُلِقَتْ هواكَ، كما خُلِقَتْ هوًى ًلها!

فِيكَ الذي زَعَمتْ بِها، وكلاكُما

يُبْدِي لصاحِبه الصَّبابَة َ كُلَّها!

وَيَبِيتُ بينَ جَوانِحي حُبٌّ لها

لو كانَ تحتَ فِراشِها لأَقَلَّها!

ولَعَمْرُها لو كان حبُّك فوقَها

يوماً -وقد ضَحِيَتْ- إذنْ لأظلَّها!

وإِذا وَجَدْتَ لها وَساوِسَ سَلْوَة ٍ

شَفَعَ الضميرُ إلى الفؤادِ، فَسَلَّها!

ثم يقول:

بَيْضاءُ، باكَرَها النعيمُ، فَصاغَها

بلباقَة ٍ فأَدَقَّها وأَجَلَّها !

لمَّا عَرَضْتُ مُسَلِّماً، لِيَ حاجَة ٌ

أرجو مَعُونتَها وأخشى دَلَّها !

منعَتْ تحيَّتَها، فقلتُ لصاحبي:

ما كان أكثرَها لنا، وأقلَّها !

فدنا فقال : لعلَّها معذورة ٌ

من أَجْلِ رُقْبَتِها فَقُلْتُ: لَعَلَّها!


كليمات.. في اللغة

الخُلاّن: جمع خليل أي صاحب. وهو بضم الخاء: خُلاّن فلا يقال خِلاّن بالكسر. ومن الجموع لها كذلك:أَخِلاّء كعَزِيز وأعِزَّاء وجَلِيل وأجلاَّء، وقد وردَتْ أخِلاّء في الآية المشَرَّفة: الأَخلاَّءُ يومَئذٍ بعضُهم لبعضٍ عدو إلا المتقين.

الشئ النادر : هو القليل العزيزُ وجوداً. وليس يُقال في المصدر(نُدْرة) بالضم بل (نَدْرة) بالفتح.


الفاتح السيد  يكتب : مآلات اسماء الأشخاص والمواقع (4)

السودان بلد الإيمان والحضارة

الآثاريون وجدوا في الكثير من القبور بمناطق شمال السودان عبارات(رب إبراهيم واسحق واسماعيل)الخ.. فظل يتمسك بالوحدانية بإعتباره الشمال الذي عاش فيه أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وبعض ابناءه. إن الاكتشافات الأثرية الأخيرة التي اكتشفها عالم الآثار النمساوي شارل بونيه حول كرمة ووجود مدن حضارية قبل(2500) قبل الميلاد اكتشاف هائل وكبير، سيبرهن للمؤرخين كيف أن البعض ظلم السودان وغيب حضارته وخلط تاريخه بل (زوره) واربكه و ظل شارل بونيه لأكثر من أربعين عاماً بمنطقة كرمة ينقب ويبحث عن حلقات مفقودة في التاريخ القديم لكرمة ونبته وللحضارة المصرية والفرعونية، وقد وجدها(بونيه) الآن بل وجد خيطاً أصيلاً للتعرف على المفارقات والحقائق ووصل بوني إلى حقيقة بأن الحضارة الفرعونية ما هي إلا حضارة كوشية وسودانية، وإن الكوشيين هم الذين اكتشفوا وبنو (مسر) الأرض الطيبة قبل اكثر من 300 ألف سنة وهو ما ذهب إليه أيضاً  الكاتب المصري( محمد كامل حتة) في كتابه( صحائف مطوية) حيث أكد أن الشعب المصري( تكون من هجرات نبوية) جاءت من جنوب الوادي( كوش)، قال حتة أن الحضارة المصرة مشتقة من الحضارة الكوشية وأن قدماء المصريين نظموا حياتهم وفقاً للثقافة الكوشية وهو ما وافقه فيه المؤخ الأوروبي( جون ولسون) في كتابه( حاشية مصر) الذي قال فيه أن اصل الحاضارة كوشي وأن النوبيين شمال وجنوب الوادي ثقافتهم واحدة ولغتهم واحدة، وأن اسماء ملوك الأسر المصرية تشير إلى التأثير بالكوشيين واللغة الكوشية، كلمة( فرعون) نفسها ما هي إلا كلمة كوشية( الفاء) مثل الباء تعني الكبير و( را) تعني ملك و(أ) تعني هو و( نا) تعني المقدس، إذا فإن كلمة (فرعون) هي ( فرأون) وينطقها اللسان العربي( فرعون) وحرف العين لا يوجد في النوبية الكوشية وهي تسمية كوشية وهذا يعني أننا لسنا النماردة فقط وإنما نحن أيضاً           ( الفراعنة) لكنه في نفس الوقت( يخلق من الفسيخ شربات) فنحن أيضاً ملوك النيل(مارا إسي) أرض المريس وأرضنا مهد الأنبياء من لدن نوح وإبراهيم وإسماعيل وموسى والخضر.

إن قيام ( تراكا) أو ( ترهاقا) الملك النوبي الكوشي الشهير بترميم معبد الكرنك عندما غزا مصر دلالة أكيدة على أن المعبد يحتوي على آثار نوبية كوشية، فعادة الحكام الفاتحين دوماً هي ( الهدم) لا ( الترميم) فهو يريد أن يحافظ على إرث أجداده من لدن( أحمس) والنطق الصحيح له هو (امس) ( A ) ( أ) تعني النفس أو الروح باللغة الكوشية و(موس) ( Moss)  تعني جميل أو وسيم وتعني كلمة أحمس( النفس الجميلة) أو (  الوسيم). وهناك شكك كبير لدى بعض المورخين بشأن( الهكسوس) وهل هم فعلاً أناس قادمون من ( أوروبا) باعتبار اوروبا في ذلك الزمان لا حضارة ولا قوة لها، وكانت جائعة ضعيفة تأكل من النيل من السودان ومن مصر نفسها والهكسوس مجرد تسمية يونانية على  والأرجح هم سودانيون من قبائل ( البجاه) خفاف الحركة ماكرون في الكر والفر واسماء ملوكهم اسماء بيجاويه مائة المائة، مثل          ( نفرتتي) وهي البنت الجميلة بلغة البجاه الآن و ( حبشستوت) تعني الحبشية الصغيرة، والمنطقة كان يطلق عليها الحبشة، إذاً لا بد من إعادة قراءة تاريخ مصر القديمة وتاريخ مصر في عهد الهكسوس ( البجاه) على الأخص لنعرف هل هم فعلاً اوربيون أم سودانيون بجاه.

إن  تأثير ( البجاه) في العهود القديمة على الأحداث في البطانة والنيل ووادي النيل داخل النطاق الكوشي( السوداني) تأثير كبير وهم ليس إلا من الكنعانيين الكوشيين الذين آثروا البقاء في موطنهم عندما فر البعض من الكنعانيين لبسبب أو لآخر.

إن الثقافة السودانية الحالية متأثرة تاثراً كبيراً بالثقافة البيجاوية الكوشية الكنعانية وإن الكلمات المستعملة في الحياة اليومية السودانية من عنقريب ومشلعيب، ومقاطع مثل دروشاب، كمالاب، نافعاب وتكل كلها مقاطع ذات تأثيرات بجاويه، إن الفن السوداني والغناء السوداني والرقص السوداني جميعه رجالاً ونساءاً والعرضة والرقبة والسلم الخماسي وغيرها جاءت من هناك وما زالت رقصة الرقبة تتشابه عند البجاه وعند بقية السودانيين، وإن جميع قبائل السودان النيلية وفي البطانة اختلطت وتأثرت بالدم البجاوي الذي تأثر أيضاً بالدم العربي منذ تاريخ قديم وهناك صراعات في المنطقة كانت تحدث بين( البجاه) والنوبين أولاد العم،  وبين المصرين وتأثير هذا الأمر واضح حتى على منطقة مثل سيناء. إن تسمية النطاق الكوشي الشمالي (بمصر) لدى المورخين أحدث خللاً كبيراً وتاهت الكثير من الحقائق التاريخية بسبب أو لآخر بهذه التسمية إن (را) وتعني ملك بالكوشية ما هي إلا(رع) بالفرعونية وتعني نبي و ( أحمس) ما هو إلا    ( أمس) وإن الهلكسوس ما هم إلا بجاه شرق السودان الحالي، وأن مصر والسودان تداخلت  وتشابكت بينهما الأحداث واختلطت اختلاطاً كبيراً في قديم الزمان وإن شمال السودان وجنوب مصر حقيقة تاريخية واحدة وإن الكوشيين هم بناة الحضارة السودانية المصرية القديمة وإن مصر والسودان عليهما المحافظة على هذا الكنز الإنساني الكبير بإعتبارهما أول حضارة إنسانية وإن توقيع اتفاقيات المعابر الأخير يجب أن تنطلق من هذا الأرث لتعود الفائدة للجميع خاصة في المجالات الاقتصادية والسياحية.