الملف السياسي

الملف الفني

الملف الاجتماعي

تذكارات سودانية أحمد البلال الطيب تنوع في التجربة ووضوح في المقصد


تذكارات سودانية أحمد البلال الطيب تنوع في التجربة ووضوح في المقصد

امجد محمد سعيد


الزميل والصديق امجد محمد سعيد الذي صدر له حديثا كتاب ( مذكرات في الدبلوماسية الثقافية – مشاهد وشخصيات ) وهو عبارة عن رصيده من كتاباته المثيرة تذكارات سودانية التي كان يفتتح بها صفحات الثقافة العربية . واراد لهذه التذكارات ان تستمر فخص بها صحيفة اخبار اليوم والقراء الكرام علي موعد مع تذكارات سودانية كل اسبوع بعدد الجمعة
بعد صدور الجزء الاول من تذكاراتي السودانية هذه , في كتاب مطبوع , بعنوان ( مذكرات في الدبلوماسية الثقافية – مشاهد وشخصيات ) في القاهرة , لم يعد أمامي بد إلا أن أنزع أسباب الحرج , ووسواس الخجل , وظنون الظانّين , وأن أتناول علاقتي الطيبة بالأخ الصحفي والإعلامي السوداني البارز أحمد البلال الطيب رئيس تحرير أخبار اليوم , هذه الصحيفة التي أكتب فيها.
وكنت كلما هممت ان أعطيه حقه في الكتابة ضمن هذا الحقل العام , ينتابني ذلك القلق الشرقي , من ان يقال : إنه يداري صاحبه , ويسعى لإرضاء عميد الدار , فأترك الأمر الى فرصة أخرى , حتى بت أشعر الان وبعد هذه الرحلة الطويلة التي امتدت اكثر من اربع سنوات , بأنني أغبن الرجل حقه .
فعلاقتي بالأخ أحمد البلال الطيب ليست جديدة , ولا وليدة هذه السنوات الاخيرة , انها تعود الى حوالي عشرين عاما , الى أوائل التسعينات , حين كنت أزوره , بين الفينة والفينة , في مكتبه في مقر صحيفة أخبار اليوم القديم , كمستشار صحفي ومدير للمركز في السفارة العراقية, وانقل اليه ما يرد من تصريحات وتقارير وأنباء ينشرها الأعلام العراقي , والتي كانت تردنا عبر الفاكس ونوزعها الى الصحف السودانية واليومية منها بشكل خاص , وكنت اقوم بذلك بنفسي احيانا , حيث لم يكن هناك انترنيت , ولا بريد الكتروني .
كان الاخ احمد يستقبلني في مكتبه بود وترحاب , ورغم مشاغله الاعلامية والصحفية التي لا تنتهي ابدا , فإنه كان يحرص على ان يشعرني بالحفاوة والتكريم , وكان يسألني بضعة اسئلة عما يدور في الساحة العراقية , وكنت اجيب عنها قدر اجتهادي ومعلوماتي , ولم ادع اية مقابلة مع الاخ احمد تتجاوز النصف ساعة , على انني حين أكون في الجريدة اشعر كأنني في بيتي , اقضي وقتا آخر مع المحررين الآخرين من الاصدقاء , وخاصة في اقسام الثقافة والادب , وكان الاخ احمد يسعد حينما يكتشف انني لم اغادر الجريدة بعد , وانني استمتع بضيافات اخرى في اقسام الصحيفة , او ان اترك قصيدة للنشر , وربما يجرى لقاء معي حول آخر النشاطات الادبية .
بعد سنوات عديدة حين زرت الخرطوم حرصت على ان ازور الاستاذ أحمد البلال الطيب وكان لقاء طيبا حقا , واحتفي بي حفاوة كريمة لا تنسى , وكلفني بعد ذلك بعدة اشهر وأنا في القاهرة , بإعداد صفحات للثقافة العربية , وكان عملا مثمرا , وتواصلا دؤوبا , خاصة مع الاخ محمد مبروك محمد احمد مستشار التحرير ولضرورات متابعة وتخصص , و مع الصديق عاصم البلال الطيب مدير اول التحرير الذي كنت اسعد بصوته بين الحين والآخروترحابه الكريم وادبه الجم , وكانت الصفحات غالبا ما تتصدرها احدى هذه التذكارات السودانية الحميمة .
واستضافني الاخ احمد البلال خلالها , ثانية في السودان , استضافة كريمة جدا , لأكثر من اسبوع , حللت فيها قرب مقر الجريدة في فندق داندس على ما اذكر, وكان اسبوعا ثريا بالتواجد مع كادر الصحيفة ومحرريها , اضافة الى الاوقات الحرة التي كنت ازور خلالها الاصحاب والخلان , في الخرطوم وبحري وامدرمان اما الاخ احمد البلال الطيب , فإن من الطبيعي الاشارة اليه على انه واحد من الاعلاميين والصحفيين السودانيين والعرب المعروفين على نطاق واسع , والذين سجلوا أسماءهم ليس فقط على خارطة الصحافة السودانية , وانما على شاشات التلفزيون السوداني , والفضائيات العربية , ولا اعرف ان كان ايضا يحاوَر على فضائيات اجنبية ايضا والحقيقة انه ظل يتمتع بحركة الصحفي المثابر , بعد مرور هذه الفترة الطويلة على ممارسته العمل الصحفي والاعلامي , فلم يركن الى الدعة والهدوء وانتظار الخبر او القصة الخبرية او الموضوع او الحوارات , انما ظل يحاول خلقها , او السعي الى تحليل وتفكيك الخبر الى مكوناته الاولى , ومن ثم مسك المكونات هذه والغوص فيها ومتابعتها ومعرفة خفاياها , ثم اعادة تركيب كل ذلك في مقال او حوار , ولعل في عنوانه ( نقطة نظام ) ما يشير الى عدم ركونه الى ما يسمع كحقيقة واقعة , او مسلمة نهائية , انما كل شيئ عنده قابل للنقاش والمحاورة , والاخذ والرد , وهذا ما جعل لموضوعاته وحواراته ولقاءاته , صفة الجدة والجدية والموضوعية ايضا .
وقد انعكس هذا الاهتمام بالبحث عن الحقيقة في برامجه التلفزيونية والفضائية حيث يحاول في حواراته ان تكون معبرة عن الهدف العميق البعيد الغور, الهدف الاستراتيجي , وليس المتعلقات الشكلية المحيطة .
ظلت مسألة الكشف عن الاحداث وخفايا الامور وما وراء الاشياء , قضية اساسية عند البلال , اذ بواسطة هذه الدقة سيكون الوصول الى الحقيقة ضامنا لمعالجة ما يهم الفرد والمجتمع والدولة .
الانجاز الذي حققه الاعلامي والصحفي احمد البلال الطيب واضح , وكثير, ومتنوع , وكنت قد اقترحت عليه مرة , ان يجمع بعض نتاجه في كتب تؤرخ للاحداث , وله ايضا , حينها رحب بذلك نظريا , لكننا لم نر شيئا على ارض الواقع , فعسى ان تحمل الايام المقبلات جانبا مما قضى فيه عمرا ثرّا , وجهدا باقيا , وعسى ان يفيد منه من لم يكن قد اطلع عليه في حينه .
تحية للاخ احمد البلال الطيب ولصحيفة اخبار اليوم وكادرها العزيز .

أصداء أدبية
النورانى ينقب فى الذاكرة ويجدد المعانى ويصدح بالالحان
النوراني الحاج الفاضلابي
شكر الله جهود الشاعر صلاح عبد الله نور الدين فقد أتحفنا بحديث من ذاكرة ملف أخبار اليوم الثقافي، أورد فيه قصيدة للشاعر المرحوم بروف بابكر البدوي دشين هنأ بها الأستاذ محمد مبروك بمناسبة تأهيل ابنه النقيب المرتضى نشرت بتاريخ 17/2/2006م
ومن جيد ما قاله بروف دشين ـ للأستاذ محمد مبروك
يا حسن دعوتك التي أسلوبها ..
قد جاء في حسن البيان فريدا
فأفرح بأفراح النقيب المرتضى ..
حفظ الإله الفارس الصنديدا
ونفيسة الفضلى المليحة إنها ..
لبست من الحسن النبيل بُرودا
ويمضي حديث الأستاذ صلاح نور الدين- فيذكر جانباً من ذكريات تلك الأيام - حيث كنا نتبادل أطراف الحديث شعراً ونثراً فنذكر ما يطيب لنا من أبيات الأستاذ جعفر ، ورد الأستاذ البروف دشين ، ونكتب مداخلاتنا التي تأتي مناسبة لتلك الأجواء الأدبية الرفيعة.
في تلك القصيدة يقول بروف دشين مبتهجاً بشفاء الأستاذ جعفر رحمهما الله من وعكة خفيفة ألمت به ـ يقول:
والفرحة الأخرى بعودة جعفرٍ ..
عوداً إلى أرض الملف حميدا
يهب الملف ذخائراً من فكرة ..
نثراً ومن حلو النشيد قصيدا
وتجود عبقرية الشاعر دشين بنفحة شعرية يذكرني فيها ـ فيقول
وليصدح «النوراني» فيه محيّيا ..
علمَ البيان الصادح الغريدا
إنا أحبتي القراء نقرأ هذا الشعر الرائع ، ونذكر بعض أبيات للشاعر شيخ الشعراء عبد الله الشيخ البشير ، في رثائه للشاعر محمد المهدي المجذوب ، فيقول له
زمان الشعر يا مجذوب ولّى ..
وحلَّ محلّ صادحه الطنين
وإن خزائن الشعراء قلت ..
ودائعها وأضحت تستدين
وبعد هذا الاستطراد ، أعود أحبتي القراء ، لاحتفال آل المبروك بزواج ابنيهما -عبد الجليل ومهدي - ولقد سعدت بحضور عقد قران النقيب مهندس مهدي بمسجد بري الدرايسة ، فقد أمّه جمع كبير من عليّة الأقوام في طليعتهم مولانا رائد الحركة الإسلامية وأمينها الأستاذ الزبير أحمد الحسن الذي كان وكيلاً للزوج - والشيخ محمد مراد- الذي كان وكيلاً للزوجة وانتقلت الأفراح بعد ذلك الى منتديات الحفل البهيج.
حياكم الله آل المبروك وهنأ الزوجين وعروسيهما بأطيب عيش وأسعده بالهناء وبالبنين.
واحتفالا بتأهيل ابني الأستاذ محمد مبروك ، المهندس عبد الجليل والنقيب مهندس مهدي ، أكتبُ هذه الخاطرة مهداة لهما- وللأستاذ محمد مبروك.
أهديك يا المبروك مني نشيدا ..
هزِجاً شفيفاً صادقاً غرِّيدا
عذباً يسيل على نداوة حرفه ..
نغمٌ تغنَّى شائقاً وفريدا
مثلَ الحمائم إذ توقع لحنها ..
فوق الغصون المائسات قدودا
حلو تسلسله رقيق صوته ..
أهديه دراً لامعاً ونضيدا
للنابهَيْن النابغَيْن ، كلاهما ..
فاق الشباب هناءةً وسعودا
أهديه لحناً صادقاً مترنِّماً ..
يَسْبي الشباب ويستميل الغيدا
من كلّ حسناءٍ تهلل وجهها ..
طرباً. ورجّع صوتها (زغرودا) 1
(حوت الجمال فلو ذهبت تزيدها..
في الوهم حسناً ما استطعت مزيدا 2
(أشهى من العود المرنِّم منطقاً ..
وألذّ من ألحانه تغريدا)
..
عبدَ الجليل طربتَ حين سمعتها ..
وأراك يا «المهدي» تروم جديدا
من شدو صادحة رقيق شدوها ..
لحن تفجّر حالياً ترديدا
يا للعروسين الّلتين كستهما ..
حُلل البهاء من العفاف بُرودا 3
الله يحفظ وهو نعم المرتجى ..
لبقاء سعد ما يزال مشيدا
فوق المكارم والمعالي صرحه ..
باقٍ على مر الزمان شديدا
...
ونقول (للمبروك) دمتم صاحبي ..
أكرم بكم من حافظين عهودا
نعم الأبوة ـ أنت قد حققتها ..
قد كنت فيها رائداً ورشيدا
أنعم بشبلين استقاما فطرة ..
مَرّ الزمان يزيدها توكيدا
ببهاء هاتيك المعاني إنها ..
إرث يظل مع الزمان مديدا
بارك الرحمن فيكم كلكم ..
وسلمتم للنائبات جنودا
وحفظتم بعناية من خالق ..
قسم المكارم زادكم توحيدا
1/ زغرد: كلمة دارجة أصولها فصيحة زغردت النساء : أعلنت بصوت عالي جميل أفراحها ويروى أن أمنا حواء لما التقت بأبينا آدم بعد أن افترقا عقب هبوطهما من الجنة لقيته بعرفات ـ فزغردت فرحاً - روى ذلك صاحب القاموس ـ والله أعلم.
2/ ما بين القوسين من شعر أمير الشعراء أحمد شوقي.
3/ البرود جمع برد ـ ثوب جميل مخطط.

فن القراءة
د. وليد شريف عبد القادر
نظرية جديدة للإبداع (6-6)
مشرط البدء بروف مصطفي عبده
... الفن رسالة إنسانية ووسيلة بشرية (بارعة) للإفصاح عن حالة (الوعي) الإنساني بتقديم الحل (الرائع) للإيقاع الجمالي لتحقيق (الروعة الإبداعية) من خلال براعة (عقل ظاهري) وقدرة إدراكية (بارعة) ، ووعي (عقل باطني) وقدرة تذوقية (واعية) ، وروعة (عقل إبداعي) وقدرة إبداعية (رائعة) .
مشرط أول : سمات المجدد?}? :
عزيزي القارئ التجديد هو ضرورة الحياة ، لذلك تُعجبني عبارة الإمام علي كرم الله وجهه والتي يقول فيها : (مَنْ لم يكن في ازدياد فهو إلي نقصان) .. وأنا أقول : (مَنْ لا يتجدد يتبدد .. ومَنْ لا يتطور يتدهور .. ومَنْ لا يتقدم يتقادم) والتجديد هو ثورة الداخل لإبراز جمال الخارج .. والمجدد صاحب الأثر الملموس في حياة الفكر الإنساني يجب أن يتحلي بصفات خاصة ، وقد اجتمعت في بروف (مصطفي عبده) أستاذ (أساتذة الفلسفة) بجامعة النيلين سمات (الحق والخير والجمال) فصاغ بهم نظريته الجديدة في الإبداع الفني (نظرية العقل الإبداعي) .
... فالبروف قد درس بكلية الفنون أولاً فأخذ منها مؤشر (الجمال) للأشياء ، ولم يكتف بذلك اجتهد في دراسة الفلسفة بكليتها حتى أصبح يدرّسها موصلاً عبرها سمة (الخير) لجميع الأجيال ، وفوق ذلك هو المتصوف (الذي يمشي بين الأسواق) ، لعفاف عقله الباحث دوماً عن (الحق) والمتمسك به في زمن فيه القيم كالطلل الدرس لا كالوشم علي ظاهر اليد . ويشير البروف إلي أن أثقال التجديد تقع علي عاتق (العقل الإبداعي) ، وقد أوضح ذلك العلم الحديث عندما أبان أن الإنسان يستخدم من قدرات عقله 4% وتبقي 96 % كامنة غير مستقلة ، ولكن يمكن أن تظهر في خطرات عند المبدعين ، والإنسان لا يستطيع تغيير حياته نحو الأحسن لو لم يكن مبدعاً ، لذلك جاءت الكلمة الإنجليزية Creation بالمعني الحرفي لها خلق (أي صياغة شيء لم يكن موجوداً من قبل) وهي ما توفرت للعقل (الإبداعي) في ظل فشل النظريات الأخرى – الإلهام والسلوكية والعقلية – المفسرة للإبداع ، فما هي أدوار هذا (العقل الإبداعي) ؟ الذي مكنته من صياغة نظرية جديدة للإبداع الفني متفوقاً بذلك علي عقلي (الظاهري والباطني) .
مشرط أخير : أدوار العقل الإبداعي?}?
للعقل الإبداعي أدوار حاسمة مكنته من تفسير الإبداع وصياغته وهي تمثلت أولاً: في احتوائه علي خصائص جديدة غير متوفرة العقلين الباطني والظاهري فهو له القدرة علي السيطرة عليهما ، كما أنه يحوي الحب والإيمان والخشوع ، ويستخرج الكامن من الكائن ، ويحتوي علي البصيرة وغيرها ، وثانياً: دوره في منشأ الإبداع وخروجه في أشكال جديدة .. فقد استطاع الإجابة علي سؤال منشأ الإبداع الفني .. فمصدره ليس قوى غيبية ، أو من خلال الأساطير والخرافات ، ولا يأتي من عقل منغلق أو عقل جمعي ، وليس ناتجاً من اللا وعي الإنساني ، أو من الجانب المظلم من العقل الإنساني ، أو من خلال كبت جنسي أو منحدر من الأسلاف كما تقول نظريات الإلهام والنظرية السيكولوجية ، بل الإبداع ناتج من (الفنان نفسه) في توحده الدينامي والنامي والمتفاعل مع بيئته الداخلية ، والبيئة الخارجية ذات الأبعاد الاجتماعية والتاريخية والعقائدية .. ومن خلال هذا التفاعل استطاع الفنان أن يطور عقله الفني إلي (عقل إبداعي) أضحي منبعاً للقيم الجمالية .
ثالثاً: استطاع العقل الإبداعي أن يحل مشكلة الزمن في الفنون المكانية ، فالفنان التشكيلي عبر العصور المختلفة حاول أن يحل مشكلة الزمن في الفن التشكيلي Visual Art أو الفنون الجامدة (الفنون المرئية) .. والتبرير في ذلك أن كل الفنون تهفو إلي حالة موسيقية ما ، فموسيقا الفنون التشكيلية مرئية – لا صوتية – تُرى بالعين ، لا علي غرار (الفنون الزمانية) كالشعر والدراما موسيقاها مسموعة بالآذان .. ومن خلال (الموسيقا المرئية) تتحول الفنون المكانية إلي زمانية وذلك بإدخال الحركة الداخلية فيها أو (الحركة البصرية) ويتم ذلك عن طريق العقل الإبداعي .. وبهذا نصل عزيزي القارئ إلي خواتيم نظرية (العقل الإبداعي) والتي صاغها أستاذ (أساتذة) الفلسفة بجامعة النيلين بروف مصطفي عبده (أطال الله في عمره ومده وجعله كما هو دوماً .. نبراس للحق والخير والجمال)..
وفي الختام وحتى الملتقى أعزائي القراء أسأل الله لكم اليقين الكامل بالجمال حتى يقيكم شر الابتذال في الأشياء ..
التعبير الوجداني بين شعبي وادي النيل
على خلفية زيارة الرئيس المصرى للسودان
صلاح عبد الله نور الدين
العلاقة الازلية بين شعبي وادي النيل مصر والسودان علاقة وجدانية طاغية على كل المقاييس الوجدانية والتعابير العاطفية المطبوعة بين أحاسيس كل الشعوب العربية وغيرها لتميز تلك الرابطة الوطنية القوية الراسخة والمتغلغلة في مفاهيم ذلك الشعب الابي الكريم شعب وادي النيل العظيم والذي أصبح من المحال مع كثرة التجارب الشقاقية للتفريق بين هذه الرابطة القوية الراسخة والصادقة والتي عبر عنها كثير من شعراء الكلمة الجزلة الصادقة من شعراء السودان وبقية شعراء الدول العربية الشقيقة الاخرى ومن أشهر من تناول هذه العلاقة من الشعراء الشاعر المجيد التجاني يوسف بشير والشاعرالرصين المفن محمد سعيد العباسي وعميد اللغة العربية ذو الجزالة المطبوعة الدكتور عبدالله الطيب ونتناول في هذه السانحة كلمة الاديب الشاعر عبدالله الطيب في ذكرى شاعر النيل حافظ إبراهيم والتي ألقيت في الاحتفاء بذكراه في أسكندرية في العام 1947 وتناول فيها الشاعر جملة من قضايا الساحة الادبية آنذاك وإستهل مطلع القصيدة بأشواق المسافر الي بلاد الأحبة حيث دفق فيها خواطره العاطفية الصادقة دفقا من غير مبالاة لأعمال العزال في الابيات الخمسة الاولي و(أروحاكا) معي أخي القارئ الملهم لنقف معها وعليها بكل تؤدة وتأنٍ وأنظر إليه وهو يسرد التشبيه المضطرد لوصف الطائرة وكأنها ناقة عنس رداح
ذكرى حافظ 1945م
بنات الشعر بالنفحات جودي
فهذا يوم شاعرك المجيد
أقول وحلقت في الجو عنس
رداح الشأو مترزة الحديد
يقعقع في الصماخ الرعد منها
ويرعش بونها كبد الحديد
ويستن السحاب بجانبيها
دخان وهي تمعن في الصعود
وأوصدت المنافذ غير ومض
الي دنيا الهوى من ثغر رود
ولما أكمل وصف الناقة ومشاعره الجياشة عكف شاكرا متى بلغته تلك الوسيلة الساحرة الي الكنانة أرض الاحبة حيث سوق القصيد الذي أقيم بتلك المناسبة الادبية الكبيرة الهامة
متى بلغتني مصرا فاني
سأشكر نعمة الله الحميد
وأشكر للكنانة إذ أقامت
بذكرى حافظ سوق القصيد
وأصدح بالنشيد على ثراه
فقدما كان يصدح بالنشيد
وأمدحه وامدح مادحيه
بأرصن في المسامع من لبيد
احييه على بعد الليالي
بريحاني وريحان الخلود
وأن النيل أصهب مطمئن
عليه النخل ذو الطلع النضيد
دفوق الموج جياش السجايا
على شطيه بالغدق الجديد
وامتطى الألفاظ العربية الممتعة في التعبير عن مصر وجمالها الطبيعي الساحر الخلاب في اجمل المواضع التي تصدق فيها العاطفة وتحضر البديهة وتجود الملكة الشعرية القوية
وجمل مصر ان بها جمالا
على غير النوائب ذا مزيد
وأن الله اودعها جلالا
تليدا خالدا ابد الابيد
وأجرى في الليالي فانتحاها
من الايمان في النيل السعيد
وقدما كان علمنا بنوها
ففاض العلم بالشكر العتيد
وهاهو الشاعر الانسان يحفظ الجميل ويرد بالشكر العتيد المخلد الي ابد الابيد ثم يعطف بالشعر على ذكرى حافظ وكيف كان هو منه وكيف كان الشعر في زمانه وكيف آل ما آل إليه يومها وليس يومنا هذا الذي لا بواكي له فقد أودى الشعر كما أودت الحياة كلها
طربت لحافظ دهرا وهشت
إليه النفس من زمن بعيد
وشع على فؤادي وهو غر
بوارق ناره ذات الوقود
وثرت كمثل ثورته وثارت
لداتي نبتغي فك القيود
فهل يدري بان الشعر أودى
كما أودى الإياد وأهل أود
أجل ولو كان حيا لخلف كل قرم وفتيان كأشبال الاسود ولكن كيف يخلد الاحداث شعرا ضعيفا ركيكا خوار الوزن والعمود فأين نحن اليوم من هذا البعث الجديد بعد طول هذا الخمود وأين إتحاد الأدباء و الكتاب في تحريك هذا الجمود الممل أين هو بقيادة الاديب الاريب الشاعر عمر احمد قدور والاديب الشاعر الفاتح حمدتو أم ان السياسة وأحداثها العاصفة عصفت بوجدان كل الشعراء المجيدين الذين إبتلعتهم وتغولت عليهم هجمات تترالمنافع ومغول السياسة أم ما الذي يجري بساحة الادب الخالية والخاوية إلا من الغراب و البوم ولكن تظل ابدا ان حاسة الشاعروحدسه لايخيب ولو بعد حين
ولو حيا لحيا كل قرم
وفتيانا كأشبال الإسود
وخلد ثورة كبرى وبعثا
جديدا بعد ما طول الخمود
وكيف يخلد الأحداث شعرا
ضعيف الأسر خوار العمود
ولكن الرصين الجزل صيغت
قوافيه على النهج السديد
كنظمك يابن إبراهيم فاسلم
بسلم الله من خلف اللحود
وهذا الاحساس بتلك المعاناة لم يكن تكليفا من الشاعر بقدر ما هو صدق إحساس لما يراه في بعد القضية الادبية والي ما تؤول إليه بمرور الأيام وقد آلت إليه الآن لمن كانت له بصيرة بالادب والشعر العربي جملة وتفصيلا بإحداث الأنماط المحدثة الخالية والخاوية من العاطفة التي هي أساس الشعر والكلمة ولو في سائر الكلام
أجدك ما تراني إلف هم
معني بالمثبط والحسود
طويل الصبر مجموع فؤادي
على بعد الزعانف والقرود
وكل مقلدا نمطا جديدا
وما لتقليد بالنمط الجديد
وذي جهل تخبط في عماه
أغم الوجه للنعمى كنود
صبرنا إذ يكيد لنا طويلا
وآثرنا الجميل من الصدود
وهنا يقف الدكتور عبدالله الطيب يرحمه الله مع المواطن في شطري وادي النيل ويخص بالكلام والنشيد اليه في شمال الوادي السعيد مستشهدا بفضائله وأياديه البيضاء في احلك الليالي المظلمة ومثبتا يقينه وقناعته بالذود عن حياضه إذا ما راى الضيم يحلب عليه بسبب البغاة والطغاة الذين لم ينفك وادي النيل من مكايداتهم الازلية ولله دره عبدالله الطيب رائد الشعر والادب العربي وليس من راد سبيل قومه فحسب بل من راد سبيل الادب العربي كأمة كاملة بحالها
بني وطني وما وطني سواكم
بني النيلين والهرم المشيد
لكم بيض الوجوه على الليالي
ومنا للخطوب وجه سود
إذا ما أحلب الباغي عليكم
رأى منا شبأ بأسا شديد
أنا الشادي بشعري اريحيا
جهيرا عند مجتمع الوفود
من السودان ردت سبيل قومي
بمحكمة من الكلم الشرود
وعاتبني على ما قلت طه
فمعتذر الي طه قصيدي
إذا انشأته أحيا جريرا
وأطرب منه مثل أبا الوليد
سلام الله بالإحسان مصرا
وأيام كأيام الرشيد
ورفرف رحمة منه وأمن
على إسكندرية فالصعيد
وفي الختام نقول سلام الله بالاحسان مصرا وأياما كأيام الرشيد وحتى نلتقي عليكم سلام الله وتسليماته الابدية إخوتي القراء في شطري الوادي الرحبة من شماله حتى جنوبه الفياض الذاخر ودمتم في حفظ الله آمنين